في كل يوم يُستهلَك ما متوسطه 400 مليون كوب قهوة في الولايات المتحدة لوحدها، وربما يصعب التصديق الوقت الذي كان به هذا المشروب الشعبي غير مرحب به. وكنا قد تناولنا في موضوع سابق الشائعات التي تحدثت عن عقوبة الإعدام التي فرضتها الدولة العثمانية خلال القرن السابع عشر بحق من يشرب القهوة. الدولة الأخرى التي لم ترحب بالقهوة هي السويد!
وكان ذلك، خلال القرن الثامن عشر الميلادي، في ظل حكم الملك غوستاف الثالث. للغالبية لم يكن هذا الملك حاكمًا سيئًا، فقد كان من دعاة التنوير، فألغى التعذيب، وسمح بحرية الصحافة، وعزّر التسامح الديني. لكنه، كان كارهًا للقهوة، معتقدًا أنها تشكل تهديدًا كبيرًا على الصحة. فكانت القهوة مثار حديث وجدل، بدأ بقرار تقنين استهلاكها وكذلك استهلاك الشاي.
وقد فُرضت ضريبة على الشاي والقهوة، حتى تم حظر القهوة تمامًا. وعلى العكس، فقد تنامت تجارتها وزاد عدد محبيها، فما كان من الملك غوستاف سوى أن يسوي الأمور بيده. والطريقة الوحيدة للقضاء على إدمان القهوة هي تخويف الناس من آثارها الصحية.
ولم يكن العلم قد توصل في تلك الفترة إلى الآثار الصحية للقهوة في ظل وجود نقاشات حول خصائصها العلاجية، ولكنه افترض وجود آثار سلبية محتملة. وللتعرف على ذلك، قام الملك غوستاف بأغرب تجربة على الإطلاق، حيث كان هناك شقيقان من المنتظر إعدامهما لاعترافهما بارتكاب جرائم. لكنه قدّم لهما حكمًا آخر، فبدل أن يتم إعدامهما، فسيقومان بتنفيذ حكم السجن مدى الحياة، مع شرط غريب، أحدهما عليه أن يشرب القهوة يوميًا، والآخر عليه أن يشرب الشاي، وذلك مدى الحياة!
اعتقد غوستاف أن من حُكِم عليه بشرب القهوة سيموت نتيجة التسمم من هذا المشروب، وهكذا تنتهي حياته! لكن حصل غير ذلك، فقد عاش أكثر ممن حُكم عليه بشرب الشاي، والغريب أن كليهما عاشا لعمر الثمانينات، وكانت النتيجة من هذه التجربة شرب كمية لا نهائية من المشروبات الساخنة. حتى أن الملك نفسه لم تسنح له الفرصة لمراقبة النتائج، حيث اغتيل عام 1792. ولم تكن لهذه التجربة أي نتائج في التاريخ أكثر من كونها حكاية غريبة، حيث تعد السويد اليوم من بين أكثر الدول استهلاكًا للقهوة!